
تعاونية النحلة الملكية: من حلم شاب إلى رحيق النجاح
ayad boumattaفي قلب الجنوب المغربي، وتحديدًا بمدينة كلميم، حيث يلتقي عبق الصحراء بنسيم الجبال، وُلد فكرة حملت بين طياتها الأمل والطموح. كان ذلك في سنة 2019، حين قرر شاب طموح يُدعى عمر بوماط أن يمنح لحياته منحى جديدًا، بعيدًا عن المسارات التقليدية. كان يؤمن بأن الأرض التي نشأ فيها، بكل ما تحمله من تنوع طبيعي وغنى نباتي، تخفي في جوفها كنوزًا غير مكتشفة، وكان من أبرزها عسل النحل، ذلك الذهب السائل الذي لطالما شكل جزءًا من الموروث المغربي الأصيل.
انطلق عمر بخطى ثابتة رغم تواضع الإمكانيات. بدأ بخلية نحل واحدة، في منطقة جبلية بضواحي كلميم، كان يعتني بها بنفسه، يتعلّم من الطبيعة ويخطئ ويصيب، يقرأ كثيرًا، ويزور النحالين القدامى ليستقي من خبراتهم. ومع الوقت، لم يكن الأمر مجرد تربية نحل، بل مشروع حياة. هكذا وُلدت تعاونية النحلة الملكية، وهو اسم لم يكن اختياره صدفة، بل إشارة إلى الرقي، والصفاء، والتنظيم الذي تتميز به مملكة النحل.
أثبتت التعاونية منذ أيامها الأولى أن الجودة لا تحتاج إلى رأس مال ضخم، بل إلى نية صافية، ومثابرة يومية، واحترام للطبيعة. اعتمد عمر على تقنيات تقليدية تحافظ على سلامة النحل، وانتقى المواقع بعناية لجني الرحيق من نباتات طبية وعطرية تنمو طبيعيًا في جبال ووديان كلميم. وسرعان ما بدأ عسل النحلة الملكية يجد طريقه إلى موائد الأسر، أولًا في كلميم، ثم في باقي مدن الجهة.
مع تزايد الطلب، وتوسع رقعة الإنتاج، جاءت لحظة الانتقال إلى مرحلة جديدة من التطوير. وهنا دخل عياد بوماط، شقيق عمر، ليواصل المسيرة. ورث عن أخيه نفس الشغف، وأضاف إليه رؤية حديثة في الإدارة والتسويق. قاد عياد عملية تحديث شاملة للتعاونية، شملت تحسين ظروف الإنتاج، إدخال تقنيات جديدة في تربية النحل ومراقبة الجودة، بالإضافة إلى توسيع الفريق والانفتاح على أسواق جديدة.
تحت قيادة عياد، تحولت "النحلة الملكية" من مشروع شاب إلى نموذج يُحتذى به في ريادة الأعمال التعاونية بجهة كلميم وادنون. شاركت التعاونية في معارض وطنية، ونالت شهادات تقديرية، كما أصبحت قبلة للزوار والمهتمين بالمجال من مختلف أنحاء المملكة.
لكن رغم النجاح، لم تنسَ "النحلة الملكية" جذورها. ما تزال تحافظ على أسلوبها الطبيعي في الإنتاج، وعلى علاقاتها الوثيقة مع النحالين الصغار، وتخصص جزءًا من أرباحها لدعم المبادرات المحلية، خاصة في مجال التكوين والتوعية البيئية.
اليوم، تقف "النحلة الملكية" كنموذج مشرق لتعاونيات مغربية انبثقت من الحلم، وترسخت بالاجتهاد، ونمت على أرض صلبة من القيم، والالتزام، والإيمان بجودة الإنتاج المحلي.